Rabu, 11 Jun 2014

من مقالات في النظم الإسلامية : الخروج على الحاكم

بسم الله الرحمن الرحيم
ألفه الأستاذ الدكتور ولي الدين محمد صالح الفرفور

قبل الكلام في مسألة الخروج على الحاكم ﻻ بد أن نبين من الذي يجوز الخروج عليه ومن الذي ﻻ يجوز الخروج عليه ، وﻻ يتم الكلام عن هذا إﻻ بعد تصنيف الحكام على ثلاثة أصناف ، وبيان الصنف الذي يجوز الخروج عليه .
الصنف اﻷول الحاكم الكافر :
الحاكم الكافر الذي يحكم في بلاد المسلمين ، مثل هذا يجوز الخروج عليه ، وإسقاطه ، باﻹجماع ، واستبداله بحاكم مسلم عادل ؛ لقوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم (وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله تعالى فيه برهان )
الحاكم المسلم الظالم ، اختلف العلماء في هذا على ثلاثة أقسام  :
القسم اﻷول : العلماء المداهنون واﻻنتهازيون ، فهؤﻻء هم المستفيدون من الحكام يوافقونهم في السراء والضراء ، فلا يأمرونهم بمعروف وﻻ ينهونهم عن منكر فعلوه ، وﻻ يخرجون عليهم حتى لو رأو منهم كفرا بواحا ، فهؤﻻء علماء السوء ديدنهم المشي في ركابهم والمديح لهم ، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فيما رواه أحمد في مسنده وغيره ، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة :(أعاذك الله من إمارة السفهاء) قال وما إمارة السفهاء ؟ قال ( أمراء يكونون بعدي ، ﻻ يقتدون بهديي ، وﻻ يستنون بسنتي ، فمن صدقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم ؛ فأولئك ليسوا مني ولست منهم ، وﻻ يردوا على حوضي ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ، ولم يعنهم على ظلمهم ، فأولئك مني وأنا منهم ، وسيردوا على حوضي ) .
فاقتران الوعيد بحق هؤﻻء العلماء يدل على ضلالهم .
القسم الثاني : العلماء الجامدون على النصوص ، يأخذون بظواهرها من غير تعليل ﻷحكامها ، أو ربط بمصادرها ، فهؤﻻء يجيزون الخروج على الحكام الظلمة ، ويدعون الناس على قتالهم ﻹسقاطهم ، ﻻ بل يوجبونه عليهم ؛ ﻷنهم يكفرونهم بجورهم وظلمهم ، ويخرجونهم من الملة ، ويعتقدون بأن كل من ارتكب كبيرة ولم يتب منها فهو كافر ، كما أنهم أيضا يكفرون من سكت على جور الحكام وظلمهم ، ولم يقف في وجههم ، مستدلين بقوله تعالى { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } [هود: 113].
واستدلو أيضا باﻵيات التي وردت في حق من لم يحكم بما أنزل الله كقوله تعالى (ومن لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44]، وكقوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون)َ[المائدة: 45] ، وكقوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون)َ[المائدة: 47].فلذلك ﻻ تجوز طاعة كافر أو ظالم أو فاسق فكيف إذا اجتمعت هذه الثلاث في قلب رجل واحد .
كما أنهم استدلو بحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
اﻷول : رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أفضل الجهاد كلمة حق عند ذي سلكان جائر )، والثاني : رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اﻹيمان).
فنقول في الجواب على هؤﻻء : إن ما استدللتم به من نصوص الكتاب هم من العموميات ، واﻹطلاقات التي خصصتها السنة أو قيدتها ، وبناء على هذا فلا يجوز العمل بها قبل بيان التخصيص والتقييد ، ومثال ذلك النصوص التي وردت في السنة بالصبر على جور الحكام وظلمهم ، وإن جاروا على اﻷفراد بأخذ المال وجلد الظهر فإنها مخصصة لعموم اﻵيات القرآنية أو مقيدة لها .
قال عليه الصلاة والسلام : ( السمع وتطيع للأمير ، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ، فاسمع وأطع ) فهذا الحديث مخصص لعموم الكتاب . وقوله عليه الصلاة والسلام ( من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه ، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إﻻ مات ميتة جاهلية ) وهذا الحديث أيضا مخصص للعموميات التي وردت في القرآن الكريم .وما كان ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إﻻ إبقاء على وحدة اﻷمة ، ووحدة الصف ، واستقرار الدولة وأمنها ، والحرص على حقن الدماء من إراقتها ، وسلامة اﻷرواح والأموال والممتلكات الخاصة والعامة من إتلافها ، وسد باب الفتن التي ﻻ تبقي وﻻ تذر .
ونحن نقول أيضا : ﻻشك أن الجور والظلم في اﻷرض قد عم وطم في بلاد المسلمين ، وأن الفساد واﻹفساد في مفاصل الدولة وفي قطاعات كثيرة كالقضاء واﻻقتصاد وغيرهما قد أصبح ﻻ يحتمل ، وﻻ يحسن ﻷمة أن تريد الحياة مرفوعة الرأس أن تسكن إليه ، فكان ﻻبد من الصدع بالحق ، واﻻنكار على المظالم والجور والفسق ، ورغم كل هذا ﻻ يجوز الخروح على الحاكم المسلم الظالم عملا بقول النبي صلى الله عبيه وسلم ( إذا رأيتم من وﻻتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ، ولا تنزعوا يدا من طاعة ) ، ويجب السمع والطاعة له مالم يأمر بمعصية ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره مالم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع وﻻ طاعة ) ، ولكن ﻻ يجوز الخروج عليه بل يكتفي المحكوم بعدم تنفيذ المعصية .
الخروج على الحاكم المسلم الظالم
القسم الثالث : الوسطيون من علماء أهل السنة والجماعة ، فهؤﻻء وقفوا موقفا وسطيا من القضية ، ﻻ إفراط فيه وﻻ تفريط ، فلا مداهنة عندهم للحكام الظلمة ، وﻻ مغاﻻة أيضا عندهم في تكفيرهم والخروج عليهم ، فيرون إبقائه في الحكم إن كان في عزله فتنة ، ويسدون النصيحة إليه ، وإن كان مصرا على ظلمه ، وليس في عزله فتنة ؛ فيعزله أهل الحل والعقد ﻻ اﻷفراد ، فهؤﻻء ينظرون إلى النصوص الواردة في هذه الخصوص نظرة تأمل وتدبر ، ويربطونها بمقاصدها التشريعية وغاياتها ومآﻻتها وأهدافها ، فهؤﻻء أيضا وقفوا للفهم الصحيح عن الله جل جلاله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فهم يمثلون حقيقة اﻹسلام ، ويردون أباطيل خصومه ، وهم في الوقت نفسه ﻻ يتزلفون إلى الحكام ، وﻻ يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل ، وﻻ يخافون بالله لومة ﻻئم ، ويتكلمون بالحق والعدل .
فهم يطبقون شرع الله كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة وﻻ نقصان ، وﻻ يحكمون أهوائهم وشهواتهم ، ويعلمون أن في بقاء الحاكم المسلم الظالم في حكمه دفعا للفتنة التي ستحدث في عزله ، فضلا عن إراقة الدماء والفساد في الناس ، وبهذا تكون المفسدة في عزله أكبر منها في بقائه ، ﻻ أنهم يراعون شأن الحاكم وحاشيته ، كما أنهم ﻻ يتسترون على أخطائه وجوره وفساده .
ومن عقيدة هؤﻻء العلماء أنهم ﻻ يكفرون المؤمن بذنب اقترفه ، فالمرتكب للمعاصي من المؤمنين عندهم يسمى فاسقا ﻻ كافرا ، ويفرقون بين الكفر والفسوق ، ويقولون : الخطأ في تبرئة مئة كافر أهون من سفك دم مسلم واحد ، بتهمة الكفر أو شبهة الكفر ، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله ، فإن اﻹمام أن يخطأ بالعفو ، خير من أن يخطأ بالعقوبة ) .
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) ، فإنه يدل على النصيحة للحاكم الجائر ، وأن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، ﻻ أنه يدل على تكفيره والخروج عليه .


الحاكم المسلم العادل ، فهذا ﻻ يجوز الخروج عليه وﻻ عزله ، وما على المحكومين إﻻ السمع والطاعة مالم يأمر بمعصية ، ﻷن مثل هذا يستمد سلطته وحكمه وقوته من الله تعالى ؛ ﻷنه يحكم بمضمون ما جاء به الكتاب والسنة بهذا الخصوص .
هذا ما أجمع عليه علماء اﻹسلام من الصدر اﻷول إلى يومنا هذا بخصوص مسألة الخروج على الحاكم والله الموفق ..
 

Tiada ulasan:

Catat Ulasan