بسم الله الرحمن الرحيم
نحن لا نتحدث عن الأكل والشرب فى فطر الصائم؛ فهذا شىء يتبادر إلى ذهن كل
إنسان، لكننا نريد الحديث عن مسائل شبيهة بالأكل والشرب، وليست كذلك، هل هى من
مفطرات الصائم للشبه أو ليست من مفطراته لأنها ليست أكلاً ولا شرباً؟ ومن تلك
المسائل التى سوف نعالجها فى هذه الأنبوشة الفقهية:
(1) استنشاق بخار الطعام والتبغ وفى حكمه بخاخ
الربو.
(2) مضغ العلك.
(3) ذوق الطعام.
(4) التقطير فى العين والأنف والأذن.
(5) التقطير فى مسالك البول للرجل والمرأة.
(6) الكحل.
(7) مداواة الجروح الغائرة وفى حكمها حقن العضل
والوريد.
(8) الحقنة الشرجية.
المسألة الأولى: استنشاق بخار الطعام والتبغ وفى حكمه بخاخ الربو:
أما بخار الطعام فإن تعمد استنشاقه فقد ذهب المالكية إلى حدوث الفطر به؛
لأن الدماغ يتكيف به، وتحصل له القوة التى تحصل من الأكل. وذهب الشافعية فى الأصح
عندهم إلى عدم الفطر باستنشاق الطعام أو دخول غباره فى جوفه. أما شفط التبغ
(السجائر) فقد اتفق الفقهاء فى المذاهب الأربعة على أنه مفطر لدخوله الجوف من الفم
مع تأثيره على الجسد. وأما استنشاق ما تطاير من دخانه فله حكم استنشاق بخار الطعام.
وأما بخاخ الربو فهو دواء معاصر، واختلف فيه الفقهاء المعاصرون على قولين.
يرى بعضهم أنه يفطر الصائم لأنه يدخل إلى الجوف من الحلق. ويرى الأكثرون أنه لا
يفطر الصائم؛ لأنه متوجه إلى الشعب الهوائية للتنفس، وليس إلى المرىء والبطن وصار
كاستنشاق الهواء.
وكما اختلف الفقهاء فى حكم فطر الصائم باستنشاق بخار الطعام وبخاخ الربو،
فمن حق كل الناس أن تختار القول الذى يريح قلبها، ولا يوجد قول أفضل من قول فى
المطلق؛ لأنه لا يوجد من يعرف الغيب، فلا بد لكل مكلف عاقل أن يختار ولا يحتار؛
لأنه لو أخذ بأى قول فهو متبع لبعض أهل العلم ومخالف للبعض الآخر؛ ففى جميع
الأحوال سيجد المكلف نفسه فى المسائل الخلافية متبعاً ومخالفاً للفقهاء. ولكنه
باختياره يكون قد تدرب على الاستقلالية فى أمر نفسه ومتبعاً لقوله تعالى:
«فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (النحل: 43). والسائل
سيد قراره فى اتباع ما يسمع من إجابة؛ لأن الله تعالى لم يقل فاتبعوا أهل الذكر.
المسألة الثانية: مضغ العلك. العلك هو المعروف باللبان، وحكمه يختلف باختلاف
نوعه، فإن كان مما يتحلل أو كان مخلوطاً بالسكريات فإن بلع الريق معه يفطر الصائم.
أما إن كان العلك قوياً لا يتحلل وليس فيه طعم فقد اختلف الفقهاء فى أثره على
الصائم، وذلك على مذهبين:
(1) جمهور الفقهاء فى المذاهب الأربعة يراه
مكروهاً للصائم ولا يحرم؛ لأنه يحلب الفم ويجمع الريق ويورث العطش، كما يقول ابن
قدامة فى «المغنى».
(2) وذهب الظاهرية، وهو قول السيدة عائشة -رضى
الله عنها- إلى جواز مضغ العلك القوى للصائم دون كراهة، وبه أخذ عطاء بن أبى رباح؛
لأنه لا يصل إلى الجوف، فهو كالحصاة يضعها فى فمه.
يقول ابن قدامة: «وإذا كان للعلك طعم يوجد فى الحلق ففيه وجهان: وجه يرى
أنه يفطر الصائم؛ لدخول الطعم إلى الجوف كالطعام. ووجه آخر يرى أنه لا يفطر
الصائم؛ لأن العلك لم يتحلل ومجرد الطعم لا يفطر؛ بدليل أنه قيل: من لطخ باطن قدمه
بالحنظل وجد طعمه مراً فى فمه، ولا يفطر».
المسألة الثالثة: ذوق الطعام للصائم. اختلف الفقهاء فى حكم ذوق الطعام
للصائم على مذهبين:
(1) الإمام أحمد يرى كراهة ذوق الطعام للصائم
مطلقاً. ولو فعله الصائم لم يفطر إذا مجه، وإذا بلعه فسد صومه.
(2) عبدالله بن عباس والحسن البصرى وإبراهيم
النخعى قالوا: يجوز للصائم ذوق الطعام دون كراهة لأدنى حاجة، وقد روى عن الحسن أنه
كان يمضغ الجوز لابن ابنه وهو صائم.
ويلاحظ أن الاختلاف بين الفقهاء هنا قريب؛ لتقارب حكم الجواز من حكم
الكراهة. ومع ذلك فالاختيار منهما حق لكل مكلف عاقل.
المسألة الرابعة: التقطير فى العين والأنف والأذن: اختلف الفقهاء فى
حكم الصيام مع التقطير على مذهبين:
(1) يرى جمهور الفقهاء أن التقطير فى العين
والأنف يفطر الصائم إذا وصل إلى الحلق. أما التقطير فى الأذن بالدهن أو بالماء
فيفسد الصوم مطلقاً وصل إلى الحلق أو لم يصل؛ لأنه إدخال فى جوف الدماغ.
(2) وذهب الظاهرية والإمام المرغينانى الحنفى، ت
593هـ، فى «الهداية» وبعض الشافعية إلى أن التقطير فى العين والأنف والأذن لا يفطر
الصائم مطلقاً وإن بلغ الحلق دون تعمد البلع؛ لأنه لا يصل إلى المعدة، كما أنه قد
دخل من مخرج غير معتاد.
ولكل مكلف عاقل حق الاختيار من هذين المذهبين؛ لأن الخلاف فقهى، والفقه
قائم على الفهم والمناقشة والاقتناع، ويعطى الحق لكل عاقل أن يضيف إليه إن وجد
لذلك وجهاً.
المسألة الخامسة: التقطير فى مسالك البول للرجل والمرأة.
(1) أما التقطير فى إحليل الرجل فلا يفطر عند
الجمهور؛ لأنه لا يبلغ الجوف. وفى وجه للشافعية: أنه إن جاوز التقطير مقدار الحشفة
أفطر وإلا فلا يفطر. ويدخل فى حكم ذلك القسطرة من هذا الموضع.
(2) وأما التقطير فى فرج المرأة فالجمهور على أنه
يفطر؛ لشبهه بالحقنة الشرجية. وذهب بعض الحنفية إلى أنه لا يفطر؛ لأنه لا يستقر فى
الجوف.
المسألة السادسة: الكحل.. هل يفطر به الصائم؟ ثلاثة مذاهب.
(1) ابن أبى ليلى وابن شبرمة قالا: الكحل يفطر الصائم
مطلقاً؛ لدخوله من فتحة طبيعية.
(2) الحنابلة قالوا: إن وصل طعم الكحل إلى الجوف
فإنه يفطر الصائم، وإلا فلا يفطر.
(3) الحنفية والشافعية والظاهرية قالوا: الكحل لا
يفطر مطلقاً؛ لأن العين ليست منفذاً للجوف. وأخرج ابن ماجة بإسناد ضعيف عن عائشة،
أن النبى -صلى الله عليه وسلم- اكتحل فى رمضان وهو صائم.
والسيادة فى الاختيار من هذه الأقوال لقلب كل مكلف عاقل؛ فقد أدى
الفقهاء ما عليهم من البيان، فبقى ما على غيرهم من الفهم والاختيار.
المسألة السابعة: مداواة الجروح الغائرة.
اختلف الفقهاء فى حكم مداواة الجروح الغائرة للصائم على مذهبين فى
الجملة:
(1) الجمهور يرى فساد الصوم إذا وصل الدواء إلى
الجوف.
(2) المالكية والظاهرية وابن تيمية قالوا: لا
يفطر الصائم بالدواء يدخل الجروح الغائرة؛ لأنه ليس فى معنى الطعام والشراب.
ويتخرج على هذا حقن العضل والوريد؛ فعلى مذهب الجمهور تفطر الصائم،
وعلى مذهب مالك وابن تيمية لا تفطر الصائم.
المشكلة فيمن يتولى الفتيا للناس فيتعصب لمذهب، وكأنه يعرف الحقيقة التى
سترها الله علينا، فيوقع الناس فى جدل وفتنة دينية. إن السبيل إلى أمن المجتمع
دينياً هو فى رفع وصاية المفتئتين لتمكين الناس من حقهم فى الاختيار الفقهى.
المسألة الثامنة: الحقنة الشرجية. اختلف الفقهاء فى حكم الحقنة الشرجية
للصائم على مذهبين فى الجملة:
المذهب الأول يرى أن الحقنة الشرجية تفطر الصائم، وهو مذهب جمهور الفقهاء؛
لدخول المادة إلى الجوف. وزاد الشافعية أن إدخال طرف الإصبع أو غيرها فى الدبر حال
الاستنجاء ونحوه يبطل الصوم.
المذهب الثانى يرى أن الحقنة الشرجية لا تفطر الصائم مطلقاً وكذلك دخول
الإصبع فى الدبر حال الاستنجاء ونحوه، وهو قول الظاهرية واللخمى من أئمة المالكية؛
لعدم وصول شىء إلى المعدة. ويرى ابن حبيب المالكى ونقله عن بعض السلف عدم فساد
الصوم بالحقنة الشرجية، ولكن مع الكراهة؛ للخروج من الخلاف.
ومن فوائد معرفة أقوال الفقهاء المختلفة أن يعذر بعضنا البعض الآخر فيما
لو أخذ أحدنا بقول وأخذ الثانى بقول آخر؛ لأن القاعدة الفقهية تقول: «لا
إنكار فى المختلف فيه». بمعنى أنه لا يصح أن تنكر على صاحبك أنه أخذ بالقول الأسهل
أو الأصعب وترك لك القول الآخر. فلتترك الناس تعبد الله تعالى بقلوبها وليس بوصاية
من أحد؛ لما أخرجه الشيخان عن عمر بن الخطاب أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال:
«إنما الأعمال بالنيات».
p/s:http://www.elwatannews.com/news/details/521294
Tiada ulasan:
Catat Ulasan